كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومتى حدث ذلك حصل الموت لانقطاع السريان، إذ أن هذه السراية تفطن الإنسان بأن ظهور الأشياء وحياتها ومنبع نشأتها ونمائها منها ليس إلا، وهذا غاية نهاية ما يمكن أن يتكلم فيه عن الروح، إذ الاطلاع على كنهها أمر خارج علمه عن طوق البشر، وليس له أن يبحث عنه، لأن البحث بأكثر من هذا عقيم، وعليه فإن الروح عبارة عن ذلك الجسم الموصوف أعلاه.
البحث الثاني في حدوث الروح وقدمه، واعلم هداك اللّه أن المسلمين أجمعوا على أن الروح حادثة حدوثا زمانيا كسائر أجزاء العالم، والقول الصحيح أن حدوثها قبل حدوث البدن، لما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي اللّه عنها أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال: «الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف» فإن هذا الحديث يشير إلى الإخبار بأن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد، لأن معنى هذا الحديث الشريف أن ما تعارف منها عند خلقها الأول ائتلف عند خلق أجسادها، والعكس بالعكس.
ومن قال إن الأرواح في برزخ منقطع العناصر، فإذا استعد جسد لشيء منها هبط اليه، وإنها تعود إلى ذلك البرزخ بعد الوفاة كابن حزم، فلا دليل له على ذلك.
وليس في قوله صراحة خلق الجسم قبل الروح، بل يفيد ظاهره أن الروح مخلوقة قبل، لقوله في برزخ.
وإذا كان القول عاريا عن الدليل كهذا فلا محل للأخذ به، بل الأخذ بالقول الأول المعتمد على قول الرسول صلّى اللّه عليه وسلم.
البحث الثالث، هل الروح والنفس شيء واحد أم لا؟ اعلم رعاك اللّه أن أكثر العلماء قالوا إن النفس والروح شيء واحد، لما جاء في الأخبار اطلاق أحدهما على الآخر، بدلالة ما أخرجه البزار بسند صحيح عن أبي هريرة أن المؤمن حينما ينزل به الموت ويعاين ما يعاين يودّ لو خرجت نفسه، واللّه تعالى يحب لقاءه، وإن المؤمن لتصعد روحه إلى السماء فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفه من أهل الدنيا.
فهذا يدل دلالة ظاهرة على أن الروح والنفس شيء واحد، وقال ابن حبيب هما شيئان فالروح هو النفس المترددة في الإنسان، والنفس أمر غير ذلك، لها يدان ورجلان، ورأس وعينان، وهي التي تلتذّ وتتألم، وتفرح وتحزن، وتتوفى في المنام، فتخرج وتسرح وترأى الرؤيا، ويبقى الجسد دونها بالروح فقط لا يلتذ ولا يفرح حتى تعود إليه.
واستدل بقوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها} الآية 43 من سورة الزمر في ج 2، وسنأتي على ما يتعلق فيها عند تفسيرها في محلها إن شاء اللّه.
البحث الرابع: هل تموت الروح أم لا؟ اعلم علمك اللّه أن جماعة من العلماء الأعلام قالوا إنها لا تموت استنادا لما جاء في الأحاديث الصحيحة الدالة على نعيمها وعذابها بعد مفارقتها الجسد إلى أن يرجعها اللّه إليه عند البعث، لأن القول بموتها يلزم منه انقطاع النعيم والعذاب، وموت الروح المذكور في قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ} الآية 185 من البقرة في ج 3، ومثلها في سورة الأنبياء الآية 35 ج 2 جار على القول بأن النفس هي الروح ويكون بمفارقتها الجسد، وعلى القول بأن النفس غير الروح كما علمت آنفا فلا دليل بالآية على موتها، وما جاء في تفسير قوله تعالى: {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} الآية 11 من سورة المؤمن في ج 2 بأن الموتة الأولى للبدن، والثانية للروح على رأي من فسر بذلك، غير مسلم.
وسيأتي لبحثه بيان في تفسيرها إن شاء اللّه فراجعه.
البحث الخامس في تمايز الأرواح بعد مفارقتها الأبدان:
اعلم نور اللّه قلبك أن الشيخ ابراهيم الكوراني قال في بعض رسائله إن الأرواح بعد مفارقتها أبدانها المخصوصة تتعلق بأبدان أخر مثالية حسبما يليق بها، وإلى هذا الإشارة بما جاء في صحيح مسلم عن ابن مسعود «إن أرواح الشهداء في جوف طير خضر»، وبما أخرج سعيد بن منصور عن مكحول عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم: «إن ذراري المؤمنين أرواحهم في عصافير الجنة»، أي أنها تكون في أبدان مثالية على تلك الصور، ويؤيد هذا رواية ابن ماجه عن ابن مسعود «أرواح الشهداء عند اللّه تعالى كطير خضر»، ولفظ ابن عمر في صورة طير بيض، وفي رواية علي بن عثمان اللاحقي عن مكحول «إن ذراري المؤمنين أرواحهم عصافير في الجنة»، وما جاء في إنكار بعض المتكلمين لهذا بزعمهم أنه يصير متعلق روحين ببدن واحد وهو محال.
ناشيء من عدم التأمّل والتثبّت، لأن ما قررناه لا يصيّر للطائر روحا غير روح الشهيد، بل هي نفسها، لأن الأبدان المثالية ليست كالأبدان المحسوسة من كل وجه بل من حيث الصورة فقط، على أنه لم يلزم من ظاهر الأحاديث محال لجواز أن تكون الروح في جوف الطير على نحو كون الجنين في بطن أمه، تدبر.
السادس في مستقر الأرواح بعد مفارقة الأبدان: اعلم بارك اللّه فيك ونفع بك ذويك أنه قد صح أن حضرة الرسول صلّى اللّه عليه وسلم كان آخر كلامه: اللهم الرفيق الأعلى.
وقال تعالى: {إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} الآية 18 من سورة المطففين في ج 2، فعلى هذا يكون مستقر أرواح الأنبياء في عليين، وقد أخرج الإمام مالك رحمه اللّه عن كعب بن مالك مرفوعا إنما نسمة المؤمن أي ذريته بدليل الأحاديث الصحيحة السابقة، لأن الأحاديث كالقرآن من حيث أنها يفسر بعضها بعضا طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه اللّه تعالى في جسده حين يبعثه.
وقد روى هذا الحديث الإمام أحمد في مسنده، وخرجه النسائي من طريق مالك، وخرجه بن ماجه، وروى ابن منده من حديث أم بشر مرفوعا ما هو نص في أن مستقر أرواح المؤمنين نحو مستقر أرواح الشهداء المار ذكرهم في حديث مسلم عن ابن مسعود، ومستقر أرواح الكفار في سجّين، قال تعالى: {إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} الآية 7 من المطففين أيضا.
وما قاله ابن حزم من أن أرواح الموتى أقبية قبورهم مستدلا بقوله صلّى اللّه عليه وسلم وهو ما رواء عنه عمر رضي اللّه عنه: إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال هذا مقعدك حتى يبعثك اللّه تعالى.
وبأنه صلّى اللّه عليه وسلم حين زار الموتى قال السلام عليكم دار قوم مؤمنين، إلخ لا يتجه، لأن الأرواح حينما كانت لها اتصال بأجسادها لا يعلم حقيقته إلا اللّه تعالى، وبهذا الاتصال تردّ السلام وتعرف المسلم عليها ويعرض عليها مقعدها من الجنة أو النار، راجع الآية 46 من سورة الزمر في ج 2، على أنه لا مانع من انتقالها من مستقرها وعودتها إليه في أسرع من البصر، وان حديث البراء بن عازب في صفة روح المؤمن الذي يقول فيه فإذا انتهى إلى العرش كتب كتابه في عليين، ويقول الرّب ردّوا عبدي إلى مضجعه فإني وعدتهم أني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى. راجع تفسير الآية 54 من سورة طه المارة.
فهو ليس نص في جعل روحه في فناء قبره، وما فيه من الإشارة لا تعارض الأحاديث الكثيرة الصريحة بأن الأرواح في الجنة لا سيما الشهداء، وقوله تعالى: {منها خلقناكم} إلخ الآية هو باعتبار الأبدان لا الأرواح، ولا شكّ أيضا أن أحوال الأرواح مختلفة، قال النسفي في بحر الكلام إن الأرواح على خمسة أقام الأول أرواح الأنبياء عليهم السلام تأكل وتشرب وتتنعّم في الجنة نهارا وتأوى ليلا إلى قناديل تحت العرش، الثاني أرواح الشهداء تكون في أجواف طير خضر في الجنة تأكل وتتنعم وتأوي أيضا إلى قناديل كأرواح الأنبياء، الثالث أرواح المطيعين من المؤمنين بربض الجنة لا تأكل ولا تتمتع ولكن تنظر إلى الجنة فقط، الرابع أرواح العصاة منهم تكون بين السماء والأرض في الهواء، الخامس أرواح الكفار في سجين في جوف طير سود تحت الأرض السابعة، وهي متصلة بأجسادها تعذّب وتتألم، أجارنا اللّه وحمانا.
قال الإمام الفخر إني أعجب كل العجب ممن يقرأ هذه الآيات ويروي هذه الأحاديث ثم يقول توفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وما كان يعرف الروح، وفي قوله هذا رحمه اللّه ردّ على حديث أبي هريرة المتقدم ذكره آنفا بعد تفسير {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} ولهذا البحث صلة في الآية 42 من سورة الزمر في ج 2.
هذا وقد علم مما تقدم أن أرواح الأنبياء والشهداء ممتازة على أرواح سائر البشر، وهو كذلك لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال إن أنبياء اللّه لا يموتون ولكن ينقلون من دار إلى دار ولقوله تعالى: {يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً} الآية الاخيرة من سورة الفجر في ج 2، وهذا الخطاب متوجّه إلى هذه الروح الزكية وقت الموت لكونها راضية مرضية بما يدل على أن هذا الخطاب لجسد حي حياة لانعرفها، وهذه الحياة مختص بها الأنبياء والشهداء لقوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتًا بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} الآية 179 فما بعدها من آل عمران ج 3 وسيأتي في تفسير هذه الآية ما به كفاية لتتميم هذا البحث إن شاء اللّه. مطلب في حفظ القرآن ثم رفعه بالوقت الذي قدره له اللّه.
قال تعالى: {وَلَئِنْ شِئْنا} يا سيد الرسل {لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ} فنمحوه من قلبك ومما كتب عليه من قبل كتبة الوحي فلا نبقي له أثرا أبدا {ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ} بالقرآن الموحي إليك الذي هو شفاء ورحمة لأهل الأرض المصدقين به والذي ثبتناك به من أن تفتتن بأقوال قومك ولا يمكنك أن تحضر {عَلَيْنا وَكِيلًا} 86 يستطيع استرداده منا وإعادته إليك ولا تقدر أن تجد من يتوكل لك علينا بذلك من متعهد أو ملزم البتة {إِلَّا} أن يتفضّل عليك ربّك فيرحمك {رَحْمَةً} عظيمة خاصة بك نازلة عليك {مِنْ رَبِّكَ} تتمكن بها من إبقائه وعدم نزعه من الصدور ومحوه من السطور وهذه منّة عظيمة جليلة منّ اللّه بها عليك، وجعل ما أوحاه إليك محفوظا، وتعهد لك بحفظه بقوله جل قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ} الآية 9 من سورة الحجر في ج 2، وتعهد لك أيضا بعدم إدخال زيادة عليه وحذف شيء منه بقوله عزّ قوله: {لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} الآية 42 من سورة فصلت في ج 2، روي عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال لا تقوم الساعة حتى يرفع القرآن من حيث نزل، له دويّ حول العرش كدويّ النحل، فيقول الرّب مالك؟ فيقول يا رب أتلى فلا يعمل بي.
وقال عبد اللّه بن مسعود اقرأوا القرآن قبل أن يرفع فإنه لا تقوم الساعة حتى يرفع. قيل هذه المصاحف ترفع فكيف بما في الصدور؟ قال يسري عليه ليلا فيرفع ما في صدورهم فيصبحون لا يحفظون شيئا ولا يجدون مما في المصاحف شيئا، ثم يفيضون في الشعر.
يعارض هذا ما جاء في الحديث الآخر إن اللّه تعالى لا ينزع العلم انتزاعا من صدور الرجال، وإنما يفقد بموت العلماء، وهو أصوب، لأن اللّه أكرم من أن يمنّ على عبده بنعمة أنعمها عليه ثم ينزعها منه، لهذا فإن حمل الحديثين المارين على هذا أولى وأوفق.
أللهم إلا أن يقال العلم غير القرآن فإنه يرفع رفعا على ما جاء في الحديثين، والعلم يكون رفعه بموت العلماء، وهو الأظهر واللّه أعلم، {إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ} يا أكرم الرسل الذي من جملته إبقاء القرآن راسخا في صدرك ثابتا في الصحف باقيا يتلى إلى الوقت الذي قدره لرفعه، وقد تفضل عليك به وبما سيبيته بعد وما لم يعلم فضلا {كَبِيرًا} 87، من ربّك الذي أنعم عليك به وجعلك خاتم أنبيائه وسيد ولد آدم، وأعلى كلمتك على جميع خلقه، وأيدك بنصره، وقواك بملائكته، وأعطاك الشفاعة الكبرى، وخصّك بالمقام المحمود والحوض المشهود، ونعما كثيرة تفضل بها عليك في الدنيا والآخرة.
أخرج البيهقي والحاكم وصححه وابن ماجه بسند قوي عن حذيفة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يدرس الإسلام كما يدرس وشيء الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صدقة ولا نسك، ويسرى على كتاب اللّه في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية، ويبقى الشيخ الكبير والعجوز يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا اللّه فتحن نقولها.
ولا يبعد أن يكون هذا بموت العلماء والقراء وعدم معرفة الباقين القراءة، وكذلك تأويل ما يأتي بعد إذ ليس إزاء هذه الصراحة إلا التسليم واعتقادنا بأن اللّه لا يسلب نعمة من عبده بعد أن تفضّل بها عليه إلا إذا كان هذا العبد داخلا في قوله تعالى: {ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ} الآية 52 من سورة الأنفال ج 3، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ} الآية 14 من سورة الرعد في ج 3، وعليه يكون الجزاء من جنس العمل، لأنهم نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم ونسيهم، فجعلهم متروكين لا يؤبه بهم.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن عمر قالا: خطب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقال: أيها الناس ما هذه الكتب التي بلغني أنكم تكتبونها مع كتاب اللّه يوشك أن يغضب اللّه تعالى لكتابه، فيسرى عليه ليلا لا يترك في قلب ولا رق منه حرف إلا ذهب به، فقيل يا رسول اللّه فكيف بالمؤمنين والمؤمنات؟ قال من أراد اللّه تعالى به خيرا أبقى في قلبه لا إله إلا اللّه.
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال يسرى على كتاب اللّه فيرتفع إلى السماء فلا يبقى في الأرض آية من القرآن ولا من التوراة ولا من الإنجيل والزبور، فينزع من قلوب الرجال، فيصبحون في الضلال لا يدرون ما هم فيه.
والسرى المشي آخر الليل، ومعنى يسرّى أي يرسل اللّه تعالى في آخر الليل ما به يرفع القرآن من صدور الناس، بدليل قوله فيصبحون في الضلال إلخ الحديث.
هذا، وقدمنا في المقدمة بحثا يتعلق بحفظ القرآن وتهديد من ينساه فراجعه فلعل فيه إيماء إلى هذا.
ولما قال النضر وأضرابه من مشركي مكة عند سماعهم تلاوة القرآن من سيدهم سيد ولد عدنان لو نشاء لقلنا مثل ما يقول محمد يعنون به القرآن، وقد أخبر اللّه نبيه بذلك بقوله جل قوله: {وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا} الآية 31 من الأنفال في ج 3، وهذه آية مكية مستثناة من سورتها المدنية أكذبهم اللّه تعالى بقوله: {قُلْ} يا سيد الرسل لهؤلاء الأفاكين المتهورين {لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ} المنزل عليك من لدنّا {لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} أبدا ولا يقدرون على ذلك البتة {وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} 88 معاونا ومؤازرا في إرادة الإتيان بمثله، لأنه لا يشبه كلام الخلق وهو في أعلى طبقات البلاغة معجزا في نظمه معجزا في تأليفه، فضلا عن إعجازه بالإخبار عن الغيوب مما كون اللّه تعالى وأظهره للناس، ومما لم يظهره بعد.